"الغارديان": نظام "البلوكات" الإسرائيلي يعمق معاناة سكان غزة
"الغارديان": نظام "البلوكات" الإسرائيلي يعمق معاناة سكان غزة
حذّر عمال إغاثة من أن نظام الشبكة (البلوكات) الإسرائيلي الجديد بشأن تحذيرات الإخلاء المستهدفة في جنوب قطاع غزة، يخاطر بتحويل الحياة في القطاع إلى ما يشبه المتاهة، ما يشكل بدوره خطرا على السكان، بحسب تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية.
وأشارت الحكومة الإسرائيلية عقب استئناف الجيش قصفه وعملياته البرية في قطاع غزة على الفور إلى خطط لتكثيف الهجمات على جنوبي القطاع، في المناطق التي تم حث المدنيين الفلسطينيين في السابق على الاحتماء بها.
وقالت السلطات الصحية في غزة، إن القصف بدأ "في غضون ثوان من انتهاء الهدنة"، في وقت مبكر من صباح الجمعة، وإن 200 شخص على الأقل قتلوا حتى السبت.
وقال بعض السكان الذين حشروا في مناطق صغيرة جنوبي القطاع، ومعظمهم من النازحين الذين يكافحون من أجل العثور على ما يكفي من الطعام، إنهم في أوضاع إنسانية صعبة، ولا يعرفون كيف سيتدبرون أمورهم مع اقتراب القتال من مناطقهم.
ولفتوا إلى أن "الهروب من القصف يكاد يكون أمرا مستحيلا، فهم محاصرون من جهة البحر، والحدود مع إسرائيل خاضعة للحراسة المشددة، بينما المعبر الحدودي مع مصر مغلق في وجههم".
وبدأت إسرائيل في استخدام نظام الشبكة الجديد الخاص بها لتحذيرات الإخلاء، حيث جرى تقسيم غزة إلى أكثر من 2300 بلوك صغير، ويمكن الوصول إلى تفاصيل هذا النظام من خلال رمز الاستجابة السريعة (الباركود) الموجود على المنشورات الورقية التي ينشرها الجيش، أو وصورها الموجودة وسائل التواصل الاجتماعي.
وبحسب "الغارديان" يبدو أن الأمر مصمم للسماح للقوات الإسرائيلية بمحاولة إبعاد المدنيين عن أماكن القتال أثناء استهداف مسلحي حماس، وذلك عن طريق إصدار أوامر لهم بالمغادرة إلى "مناطق آمنة" التي لا تغطي في بعض الحالات سوى بضعة بنايات.
لكن على أرض الواقع، قال الناس إن ذلك "زاد من خوفهم وارتباكهم"، فبعد أسابيع من القصف والحصار، لم يعد لدى معظم الناس سوى القليل من الكهرباء لشحن الهواتف والأجهزة الأخرى، وحتى بالنسبة لأولئك الذين يمكنهم الاتصال بالإنترنت، ينهار نظام الاتصالات بانتظام.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، إن هذا يعني أن السكان "ليس لديهم طريقة موثوقة لمعرفة خريطة التنقل".
وأضاف: "يقال إن الخريطة تهدف إلى تسهيل أوامر إخلاء مناطق محددة قبل استهدافها، بيد أن المناشير لا تحدد المكان الذي يجب إجلاء الأشخاص إليه، ومن غير الواضح كيف سيتمكن سكان غزة من الوصول إلى الخريطة دون كهرباء وفي ظل الانقطاع المتكرر للاتصالات".
واستخدم الجيش الإسرائيلي نظام الشبكة لأول مرة، صباح السبت، للإعلان عن تحذيرات الإخلاء عبر الإنترنت، عبر المتحدث باسمه للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي.
لكن بعض المناطق المظللة المحددة للإخلاء لم تتوافق بشكل كامل مع المربعات المرقمة التي ذكرها.
وكان أدرعي قد صرح في وقت سابق، بأن الأرقام الموجودة في الخريطة "تمثل الأحياء السكنية، وقد يُطلب من سكان حي معين إخلاؤه والتوجه إلى حي آخر".
وأضاف أن "كل رقم يدل على أحد الأحياء المعروفة لدى سكانها"، مشددا على أن "الهدف من ذلك هو منع حصول إجلاء لمساحات بعيدة، وأن يكون النزوح من حي إلى آخر ولفترات مؤقتة".
وأشار أيضا إلى أن "إسرائيل لا تطلب من سكان غزة مغادرة القطاع بل مغادرة الأماكن التي تجري فيها عمليات عسكرية، والإخلاء من مناطق القتال، ليتم التمييز بين المدنيين والمسلحين".
حالة من الارتباك
وزادت المنشورات الإسرائيلية الأخرى التي أسقطت على غزة من الارتباك، من خلال تجنب الحديث عن نظام الشبكة والحث على الإخلاء من مناطق أوسع.
وتقول جماعات الإغاثة إن ذلك يترك المدنيين في غزة "يحاولون اتخاذ قرارات الحياة أو الموت دون الحصول على معلومات أساسية".
وقال مدير المناصرة في جمعية العون الطبي للفلسطينيين الخيرية (ماب)، روهان تالبوت: "الاتصالات تزداد صعوبة، وهذه الخريطة لن توفر للفلسطينيين الحماية التي هي من حقهم بموجب القانون الدولي".
وزاد: "إنها أشبه بـ(لعبة بوارج حرب) مروعة، حيث يُترك المدنيون المذعورون يخمنون أي مربع سينقذ حياتهم".
وقالت زميلته، مديرة منظمة "ماب" في غزة، فكر شلتوت، إن "العاملين في مجال الصحة يشعرون بالقلق بشكل خاص بشأن المستشفيات والعيادات في المناطق المخصصة للإخلاء، بعد أن استهدفت القوات الإسرائيلية المباني الطبية في الشمال".
وتابعت: "لقد تسببت هذه الشبكة في الخوف والذعر بين زملائنا على الأرض.. فبعضهم موجود حاليًا في مناطق تقول إسرائيل إنها قد تكون مستهدفة، لكن إسرائيل تقصف أيضًا المنازل خارج هذه المناطق، لذلك لا يعرفون ماذا يفعلون".
وختمت بالقول: "لا نعرف ماذا سيحدث إذا تم تصنيف منطقة بها مستشفى على أنها (غير آمنة) من قبل إسرائيل.. فهذه المستشفيات تعمل بالفعل بما يتجاوز طاقتها، لذا إلى أين سيتم إجلاء المرضى والموظفين؟".
وردا على سؤال بشأن لوجستيات التحذيرات المستندة إلى نظام الشبكة عبر الإنترنت، لم يوضح الجيش الإسرائيلي ما إذا كان سيقدم أيضًا تحذيرات خارج الإنترنت بشأن إخلاء مبانٍ معينة لسكان غزة.
وقد أثيرت بالفعل مخاوف جدية بشأن الخطط الإسرائيلية لتوسيع عمليتها العسكرية في الجنوب، حيث يحاول المدنيون الجائعون والمنهكون البقاء على قيد الحياة أثناء القتال، في ملاجئ مكتظة حيث تنتشر الأمراض بسرعة.
والعديد من أولئك الذين تم حثهم على الرحيل، كانوا قد فروا بالفعل من منازلهم في أجزاء أخرى من غزة (نحو 80 في المئة من سكان القطاع أصبحوا نازحين الآن)، وشاهدوا الصواريخ تقتل مئات الأشخاص في مناطق قيل لهم إنها آمنة، حسب "الغارديان".
وفي هذا الصدد، قال أحد مسؤولي الأمم المتحدة الموجود في ملجأ مكتظ بالقرب من مدينة خان يونس، والذي فرت عائلته من الشمال في وقت سابق من الصراع: "نحن نعيش حالة من عدم اليقين المخيف، دون أي سيطرة على حياتنا، ولا أعرف بالضبط مكان القصف".
وزاد: "نسمع أصوات انفجارات قوية وتهتز الأرض تحتنا.. بعض الأطفال يشعرون بالرعب وأطفالي لا يفهمون الوضع، ولا أريد أن أشرحه لهم".
وقالت وزارة الصحة في غزة، إن إجمالي عدد القتلى في غزة تجاوز 15000 شخص، أكثر من ثلثي هؤلاء من النساء والأطفال.
وتعهدت إسرائيل بتدمير حماس، المصنفة إرهابية، بعد أن اخترق مسلحوها الحدود في 7 أكتوبر، وقتلوا نحو 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، بحسب السلطات الإسرائيلية.
وأوقعت العمليات الإسرائيلية في غزة أكثر من 15 ألف قتيل، معظمهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، وفق السلطات الصحية في القطاع.
وانتهت الهدنة بين إسرائيل وحماس، الجمعة، بعد 7 أيام من دخولها حيز التنفيذ.
وأعلنت حكومة قطاع غزة التابعة لحركة حماس، السبت، أن 240 شخصا على الأقل قتلوا في القطاع منذ انتهاء الهدنة صباح الجمعة.
وتتقاذف إسرائيل وحماس المسؤولية عن انتهاء الهدنة التي أتاحت الإفراج عن أكثر من 100 رهينة مقابل إطلاق 240 سجينا فلسطينيا، إضافة إلى دخول مزيد من المساعدات إلى قطاع غزة.